حين تهتزّ جراح الأمان الداخلي

تُعدّ الغيرة والخيانة من أعمق التجارب التي تترك أثرًا في النفس. قد تبدوان، في الظاهر، قصصًا تخصّ العلاقات الزوجية أو العاطفية فقط. لكن في العمق، هما مجرد مرايا: تعكسان شرخًا أقدم، خوفًا مدفونًا، وعلاقة غير مكتملة مع ذواتنا.

الغيرة… حين تختبئ الخوف خلف الحب

يُقال كثيرًا إن الغيرة دليل على الحب. لكن الحقيقة أنّها تكشف الخوف أكثر مما تُظهر الحب:

الخوف من الفقدان، الخوف من عدم الكفاية، الخوف من أن نفقد مكانتنا في عين الآخر.

كل نوبة غيرة تعيد إحياء ذاكرة الطفولة: ذاكرة طفل لم يجد الأمان أو الاهتمام الذي كان يحتاجه. فيكبر هذا الطفل ليبحث في شريكه عمّا يُكمل هذا النقص، كما لو أنّ الحاضر قادر أن يشفي جرح الماضي.

الخيانة… فعل خارجي أم مرآة داخلية؟

الخيانة تبدو دائمًا كفعل صادر من الآخر. تُصدمنا، تُوجعنا، وتُربك توازننا. لكن ما تكشفه أعظم من الفعل نفسه: فهي تُظهر ما لم يكن متينًا منذ البداية — غياب الشفافية، نقص الوضوح، أو غياب الاعتراف المتبادل بالاحتياجات.

وإذا نظرنا إليها لا كجريمة وحسب، بل كهتكٍ للستار، سنراها كرسالة: تكشف ما كنا نرفض أن نراه — هشاشة الأسس، مناطق الظل في داخلنا، والتوقعات التي لم نجرؤ يومًا على البوح بها.

حقيقة أساسية

لا يمكن أن نهتزّ بشيء لا يجد صدى في داخلنا.

فإذا آلمتنا الغيرة أو الخيانة، فهذا لأنها لامست جرحًا موجودًا أصلًا فينا. الحدث لا يخلق الجرح، بل يكشفه.

بمعنى آخر:

– إن كنت أتألم من الغيرة، فهذا لأن شعور انعدام الأمان كان موجودًا قبل العلاقة.

– وإن حطّمتني الخيانة، فهذا لأني علّقت قيمتي في يد الآخر.

هنا تكمن قوة هذه التجارب: فهي تجبرنا على مواجهة ما كنا نحمله منذ زمن.

الجذور الطفولية

غالبًا، يعود أصل هذه الرنّة إلى الطفولة.

الطفل الذي يعتقد أنّ عليه أن يقاتل ليُرى، أو يخشى أن يُستبدل، أو يشعر دومًا أنه غير كافٍ، يزرع في داخله قناعة خاطئة: «لستُ آمنًا في الحب.»

تكبر هذه القناعة معه، وتعيد نفسها في كل علاقة، إلى أن يكتشف حقيقتها.

من الصدمة إلى الوعي

الغيرة والخيانة ليستا نهايات، بل بوابات. عبرهما، تكشف لنا الحياة ما لم نعترف به بعد، وما لم نُحبّه بعد في داخلنا.

ويبدأ الطريق حين ندرك أن قيمتنا لا تحددها نظرة الآخر ولا وفاؤه. فالحب الحقيقي لا يقوم على خوف أو تملّك، بل على حرية وصدق.

الخلاصة

تهزّ الغيرة والخيانة أساساتنا، لكنها أيضًا كاشفات.

تُذكّرنا بأن كل ما ندركه في الخارج هو انعكاس لشيء في الداخل، وأن ما يجرحنا ليس إلا ما كان ينتظر منذ زمن أن يُشفى.

فلننظر إليها لا كلعنة، بل كنداء: نداء لإعادة بناء صلتنا بأنفسنا أولًا.

فعندما نعترف بقيمتنا الحقيقية، ونمنح طفلنا الداخلي الأمان الذي افتقده، فقط حينها يُولد الحب الأصيل: حب متحرّر من الخوف، ثابت، وخلاّق بعمق.