نوفمبر… شهر العودة إلى جوهر الرجولة الحقيقية.
هذا الشهر لا يحتفي بصورة الرجل القوي المصطنعة، ولا بمظاهر القوة الزائفة،
بل يحتفي بالعودة إلى الجوهر، إلى النقطة التي يتوقف فيها الرجل عن لعب دورٍ ما… ليعود إلى حضوره الحقيقي.
فالرجولة الحقيقية ليست مظهرًا، ولا عضلات، ولا سلطة،
بل هي نضجٌ في الوعي، ومسؤولية تجاه الحياة، ووفاء داخليّ للوجود.
بين الذكر والرجل، هناك عالمٌ كامل:
عالم الوعي.
الذكر يعيش في ردّ فعل دائم، يسعى إلى إثبات نفسه،
يُقاتل الصورة التي يخاف أن تُكشف فيه.
يريد أن يسيطر لئلا يشعر بضعفه، أن يفرض وجوده لئلا ينهار.
وهكذا، ينفصل عن مصدره، ويغدو عبدًا لما ظنّه قوته.
لكن تلك القوة بلا وعي… ليست إلا دفاعًا.
وكل دفاع يبعد الإنسان عن ذاته.
أما الرجل الواعي، فلم يعد بحاجة إلى إثبات نفسه.
لقد عاد إلى بساطة الوجود.
قوّته لا تكمن في السيطرة، بل في الحضور.
حضور في الفعل، في الصمت، في الكلمة الصادقة، وفي الحنان.
لم يعد يهرب من ظله، بل ينظر إليه، يعترف به، ويعبره.
لأنه فهم أن الضعف ليس عدوه، بل هو عتبة قوته الحقيقية.
الرجولة الواعية لا ترفض الحساسية، بل تحتضنها.
فهي تعلم أن اللين لا ينفي القوة، بل يكشفها.
ومن لم يعد يخاف من الحب، لم يعد بحاجة إلى السيطرة.
الرجل الحقيقي لا يفرض الاحترام،
بل يُلهمه.
لأنه واضح، متناغم، وصادق.
والصدق، في عالمٍ مليء بالأقنعة، هو أعلى أشكال القوة.
حين يتحرر الرجل من خوفه من الضعف،
تتحرر المرأة من خوفها من الأذى.
وحين يستقيم المحور الذكري في داخله،
يمكن للأنوثة أن تنفتح من جديد، بلا دفاع ولا قناع.
وهكذا تتوازن الطاقتان،
ليس بالصراع، بل بالاعتراف المتبادل.
فالعالم لا يقوم على التنافس، بل على الاتحاد.
ما يحتاجه العالم اليوم ليس صورة جديدة للرجولة،
بل عودة إلى رجولة الروح —
تلك التي تدعم دون أن تهيمن،
تحمي دون أن تُقيد،
تتكلم دون أن تُسكت،
وتفعل دون أن تُلغي.
حماية المرأة لا تعني حبسها في دور،
بل حماية الحياة ذاتها، بكل ما فيها من هشاشة وقداسة.
والحياة لا تحتاج إلى الغضب، ولا إلى الصمت الفارغ،
بل إلى حضورٍ واعٍ، ثابتٍ، ومتجذّر.
الرجل الواعي لا يسعى لقيادة العالم،
بل يبدأ بقيادة نفسه.
ومن صفائه الداخلي
ينبثق نوره.
الرجولة الواعية ليست صراعًا ضد الأنوثة،
بل قربانًا للحياة:
عودة الرجل إلى مهمته الأولى — أن يحمي الخلق، لا أن يمتلكه.



اترك تعليقا
You must be logged in to post a comment.