أصدقائي الأعزاء،

في عالمٍ مشبع بالضوضاء، حيث تتوالى الأخبار بلا توقف، وتستحوذ التنبيهات باستمرار على انتباهنا، يبقى سؤال جوهري: كيف نميّز الصوت الداخلي الحقيقي وسط كل هذا الصخب؟

العقل أم الحدس؟

العقل ليس إلا أداة. يقارن، يحلّل، يحسب، يطرح المخاوف، ويسعى دائماً إلى الأمان. لكنه لا يمنح اليقين أبداً، لأنه يعيش في الشك والتقييد.

أما الصوت الداخلي فمختلف تماماً عن هذا الضجيج: لا يجادل ولا يحاجج، بل يظهر كوضوح لطيف، كنسمة خفيفة تضيء الطريق من دون أن تفرض شيئاً.

ومع ذلك، بما أننا معتادون على صخب أفكارنا، فإننا كثيراً ما نخلط بينهما.

علامات الصوت الحقيقي

كيف نميّز الحدس عن ثرثرة العقل؟ هناك مؤشرات بسيطة:

  • يأتي بسهولة، بلا جدال داخلي، كوضوح مباشر.
  • لا يحاول إقناعك أو فرض نفسه.
  • يرافقه دوماً شعور بسلام عميق، حتى لو كان ما يدعوك إليه صعباً.
  • يتراجع حين تعود مشاعر الخوف أو التردد.

العقل يصرخ، أما الروح فَتَهمِس. ورحلتنا أن نتعلّم الإصغاء إلى هذه الهمسات.

كيف نطوّر هذه القدرة على الإصغاء؟

مثل أي معرفة، فإن الإصغاء للصوت الداخلي يحتاج إلى ممارسة:

  • امنح نفسك كل يوم لحظة صمت، ولو قصيرة، لتسمح للعمق أن يظهر.
  • استمع إلى لغة الجسد: فالقلب يعرف قبل العقل بكثير.
  • انتبه للإشارات الدقيقة: جملة تلمسك، حلم، مصادفة لافتة… كلها رسائل لهذه البوصلة الداخلية.

دعوة للتجربة

أدعوكم اليوم إلى تجربة بسيطة: امنح نفسك دقيقة صمت. أغمض عينيك، تنفّس بهدوء، واسأل قلبك: «ماذا تريد أن تقول لي الآن؟»

لا تُجبِر الجواب، ولا تحاول أن تفهم. فقط استمع.

قد تكتشف أن الصوت الذي كنت تبحث عنه دائماً لم يكن غائباً قط، بل كان مغطّى بالضجيج… وكان ينتظر بصبر أن تلتفت إليه.