كثيرًا ما نعيش وهمًا بأن الطفل صفحة بيضاء نأتي نحن لملئها بالتربية والقيم والقوانين. لكن الحقيقة أعمق من ذلك: الطفل مرآة حيّة لوعي والديه.

كل سلوك، كل ردّة فعل للطفل هو لغة خفية تعبّر عمّا يملأ محيطه الداخلي: البيت، المشاعر المكبوتة، الجروح التي لم تلتئم بعد. الطفل، من غير أن يدري ومن غير أن يملك وسيلة دفاع، يحمل ما لم يجرؤ والداه بعد على النظر إليه داخل أنفسهم.

فالطفل الذي يبكي بلا سبب ظاهر، قد يعبّر عن الحزن غير المعلن لدى أمه.

والطفل الذي يتمرّد بعنف، قد يُظهر الغضب المكبوت عند أبيه.

والطفل الذي يعيش قلقًا أو كوابيس ليلية، قد يجسّد المخاوف العميقة التي تصمت عنها العائلة.

أما الطفل الذي يفتقد الثقة، فقد يعكس الشكّ الوجودي الذي لم يواجهه أحد الوالدين.

ليست هذه إذًا عيوبًا في الطفل، بل رسائل. نداءات للوعي.

وما يقوله بسلوكه هو:

«أبي، أمي، ما زالت في داخلكما جروح لم تُشفَ بعد. أشعر بها وأعبّر عنها رغمًا عني، لأن الحقل الذي أعيش فيه يتشرّبني ويشكّلني.»

الطفل ليس مشكلة تحتاج إلى تصحيح، بل معلّم يستحق أن نصغي إليه. إنّه دعوة للالتفات إلى الداخل:

  • هل هناك غضب لم أواجهه بعد؟
  • هل أحمل جرح رفض أو هجر أُورّثه من حيث لا أدري؟
  • هل أعيش خوفًا يعبّر عنه طفلي بدلًا مني؟

وهنا تكمن الحقيقة الأكثر تحررًا: عندما يلتقي الوالدان بأنفسهما، عندما يجرؤون على شفاء ظلالهم وتغيير ذبذباتهم، يتحرر الطفل فورًا. لأن الحقل تغيّر، ولم يعد للجُرح حاجة أن يتكرر فيه.

الأطفال إذن ليسوا أعباءً، ولا نسخًا ناقصة عنا. إنهم معلّمون صامتون، ببراءتهم يعكسون لنا مرآة نقية لا ترحم. وبفضلهم، نُمنَح فرصة لرؤية ما لم نرد رؤيته، ولنحرّر — عبر شفائنا نحن — حرية مستقبلهم.

ولمن يرغب في التعمّق أكثر في هذا الموضوع، يمكنكم مشاهدة فيديو الدكتورة ندى على يوتيوب بعنوان «احتضان ظلامنا»، حيث ستجدون شرحًا أوسع يساعدكم على فهم أعمق لهذه الرسائل الصامتة التي يحملها الأطفال لنا.