كثيرًا ما نتحدث عن الأثر الذي يتركه الأب، عن غيابه أو قسوته، وعن انعكاس ذلك على حياتنا. لكن هناك أثرًا آخر، أعمق وأشد حميمية، يغفل عنه الكثيرون: الأثر الأمومي، ذاك الجرح الصامت الذي ينقش نفسه فينا منذ اللحظة الأولى للتنفس، وربما حتى قبلها.

فالأم ليست فقط من تهب الحياة. إنّها المرآة الأولى التي يبحث فيها الطفل عن وجوده، والمصفوفة العاطفية الأولى التي يتعلّم من خلالها إن كان يستحق الحب أم لا.

ما هو الجرح الأمومي؟

لا يعني بالضرورة أن الأم كانت قاسية أو بعيدة. فقد ينشأ حتى في قلب أكثر الأمهات حنانًا.

إنه الفجوة بين ما كان الطفل يحتاجه فعلًا، وبين ما تلقّاه في الواقع:

– نقص في الدفء،

– شعور خفي بعدم الأمان،

– أو الرسالة غير الواعية: «أنت لست كافيًا.»

كيف يظهر في حياتنا؟

من دون وعي منّا، يُعاد تمثيل هذا الشرخ في كل مكان:

إحساس دائم بعدم الاكتفاء،

بحث مستمر عن الحب في الخارج،

انجذاب لعلاقات غير متوازنة تعيد سيناريو الطفولة،

صعوبة في منح أنفسنا العناية والحنان اللذين كنا ننتظرهما من الآخرين.

الأم كمرآة

تنقل الأم، عبر حبها كما عبر نقائصها، ذاكرة ليست دومًا تخصّنا.

مخاوفها، قلقها، جروحها غير الملتئمة تترسّب فينا كظلال صامتة. فنحمل أعباءً ليست لنا، ونظنها جزءًا من هويتنا.

طريق التحرر

الجرح الأمومي ليس قدرًا محتوماً، بل دعوة.

يدعونا للعودة إلى الداخل، لرؤية هذا الأثر لا بعتاب بل بوعي صافٍ. فالشفاء يبدأ حين نصبح نحن الأم الداخلية لأنفسنا.

حين نمنح طفلنا الداخلي ما افتقده بالأمس: الأمان، الحنان، والاحتواء غير المشروط. هناك تبدأ التحوّلات الحقيقية: الماضي لا يختفي، لكنه يتوقف عن أسرنا، لأنه أصبح وعيًا.

الخلاصة

الجرح الأمومي تذكير. يهمس لنا بأننا لم نُخلق لنستجدي الحب، بل لنعي أننا مصدره.

وطالما انتظرنا من الآخرين ما نرفض أن نعطيه لأنفسنا، بقينا أسرى التعلّق. لكن عندما نجرؤ على الإصغاء لذلك الطفل الجريح في داخلنا، ونغمره بحبنا الذاتي، نتوقف عن أن نكون ضحايا، ونصبح مبدعين لحياتنا.

وهنا فقط ينفتح فينا حب حقيقي، حب لا يسعى لملء نقص، لأنه ينبع من كياننا ذاته.